الشخص والهوية: تأطير إشاكالي وموقف جون لوك

التأطير الإشكالي:
 يختلف مفهوم الشخص كمفهوم فلسفي عن مفهوم الفرد ومفهوم الشخصية. لذلك لايمكن أن ندرك دلالة هذا المفهوم دون إستحضار الإختلافات الدقيقة  بين هذه المفاهيم،
فمفهوم الفرد له معنى بيولوجي أي ما تخضع له الأنا الفردية المستقلة من إكراهات وشروط بيولوجية. أما الشخصية فلها معنى سيكولوجي، أي كل ما يميز هذا الأنا عن ذلك من حيث الميولات والإنفعالات والسلوكات...، بينما مفهوم الشخص فإنه مشتق في العربية من كلمة شخوص بمعنى الظهور والبروز أمام الأخر. ولايسمى شخصا إلا من كان له جسم يشخص لوجوده إرتفاع له. وفي اللغة الفرنسية فإن لفظة « personne » مشتقة من الكلمة اليونانية « persona » التي يقصد بها القناع الذي يستعمله الممثل في آداءه لدور معين، حتى يكسبهم صفة من يقوم بدوره طوال فترة وضعه للقناع، مما يعني أن دلالة الشخص في اللغة هو ماستصف به الإنسان من سمات أو خصائص التي تميزه عن غيره. أما فيما يخص الدلالة الفلسفية فإن مفهوم الشخص يتداول بمعنى مجرد إذ يحيل على الذات الواعية والمفكرة والمسؤولة من الناحية الخلاقية والحقوقية لذلك فهو عن النقيض من مفهوم الشيء من جهة ومفهوم الحيوان من جهة ثانية لأنه مفهوم ينطوي على أبعاد ميتافيزيقية وأخلاقية وحقوقية. نستخلص من هذه الدلالات أن الشخص يرتبط من الناحية اللغوية بمظاهر خارجية ظاهرة، أما من الناحية الفلسفية فيرتبط بما هو باطني عقلي، وهذا ما يجعلنا نتساءل عن ما إذا كان مفهوم الشخص يتحدد من خلال الأدوار الإجتماعية التي يتضلع بها الناس أي من خلال ما هو ظاهر أو أن الأمر يتطلب البحث في الثابت والإستغناء عن ما هو ظاهر ومتغير بتعبير أخر على أي أساس تقوم هوية الشخص؟ هل على أساس الثبات والمطابقة؟ أم على أساس التعدد والإختلاف؟ وإذا كان الشخص ينطوي على معنى أخلاقي وحقوقي وكان على النقيض من مفهوم الشيء ومفهوم الحيوان فإنه يمتلك قيمة، لكن من أين يستمد الشخص قيمته وكيف يستقيم التعامل معه هل بإعتباره غاية في ذاته أم مجرد وسيلة؟ وهل الشخص حر في إختياراته وأفعاله وقناعاته أم أنه مكره وخاضع لجملة من الضروريات والحتميات الخارجية والداخلية.

المحور الأول : الهوية والشخص (موقف جون لوك)

تحديد المفاهيم:
الهوية: هي كل ما يميز كائنا أو شيئا ما عن الأخر، وفي علم المنطق هي مبدأ من
 مبادئ العقل يقضي بأن الشيء هو هو بحيث نقع في التناقض إذا قلنا مثلا عن شيء ما أنه جماد، ثم قلنا أيضا أنه حي أو موجود أو غير موجود فالهوية تعني إذا ما هو مطابق ومماثل للشيء ذاته في مختلف لحظات وجوده.

الهوية الشخصية: إذا كانت الهوية تعني ما يجعل شيء ما هو هو أي ما يجعل الشيء 
مطابقا لذاته فإن الهوية الشخصية تشير إلى تطابق الشخص مع ذاته أي ما يجعل 
الشخص هو نفسه "هو هو" رغم ما يطرأ عليه من تغيرات في مختلف الأزمنة والأمكنة.

إشكال المحور:
بماذا تتحدد هوية الشخص هل تتحدد بما هو ثابت أم بما هو متغير؟ وهل تقوم على 
أساس الوحدة والمطابقة؟ أم على أساس التعدد والإختلاف؟

ملاحظة: جون لوك يعتبر من رواد الفلسفة التجريبية البارزين، هذا التيار-الفلسفة التجريبية- يرى بأن العقل صفحة بيضاء لاوجود فيه لأفكار ومبادئ فطرية، فكل ما ينقش عليه مصدر الإنطباعات الحسية التي تأتي بها الحواس من العالم الخارجي.

الموقف: 
لقد أقر جون لوك بأن معرفة الهوية الشخصية تقتضي أولا تعريف المقصود بمفهوم الشخص. وقد عرف هذا الأخير بكونه كائن مفكرا عاقلا وقادرا على التأمل والتعقل وعلى الرجوع إلى ذاته بإعتباره مطابقا لنفسها. وتظل ثابتة في كل الأزمنة والأمكنة وهذا التطابق هو الهوية، والدليل على ذلك في نظر لوك هو أن معرفة مجموعة الأفعال التي نقوم بها مثل السمع، الشم، التذوق،... تصاحب دائما إحساستنا وإدراكاتنا الراهنة، كما أنه لايمكن للإنسان أن يدرك أنه يفكر دون أن يشعر أنه يفكر، وبالتالي فكل فعل يقوم به فلابد أن يشعر به أولا، أضف إلى ذلك أن للإنسان قدرة على الوصل بين أفعاله الشعورية الماضية وأفعاله الشعورية الحاضرة وهذا الوصل يكون عن طريق الذاكرة من هنا نفهم أن أساس الهوية كما يتصور جون لوك هو الشعور المقترن والذاكرة بإعتبارها صلة وصل بين الحاضر والماضي.



يمكنك دائما تحميل الدرس بصيغة PDF عبر الضغط على الزر أسفله:


إشترك ليصلك جديد الدروس والمواضيع!

0 comments:

إرسال تعليق

الأكثر تصفحا هذا الأسبوع

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة