الشخص والهوية الفلاسفة فرويد، شوبنهاور، باسكال

الشخص والهوية فرويد، شوبنهاور، باسكال
لقد تطرقنا في السابق لموقف جون لوك الذي يؤكد على أن أساس تحديد هوية الشخص هو "الفكر بما هو إحساس " أي أنه مرتبط بالأحاسيس والأفعال التي يقوم 
بها الشخص، فبالذاكرة يوسع من مجال وعيه وشعوره ليشمل الماضي والحاضر.


الشخص = كائن + الشعور.

موقف شوبنهاور:
ينطلق شوبنهور في تصوره لهوية الشخص من رفضه لكل التصورات التي تعتبر أن هوية الشخص تتحدد من خلال الصفات المتجددة والمتغيرة في الزمن كالشعور والفكر أو الذاكرة. فالشخص يمكن بفعل التقدم في السن أو المرض أو إصابة في المخ أو حمق أن يفقد ذاكرته مثلا. لكن رغم ذلك يظل هذا الأخير محافظا على هويته. فما دام إذا أن مايجعل الشخص هو هو ينبغي أن يكون ثابتا ولا يعتريه أدنى تغير فإن الإرادة (إرادة الحياة) هي المحدد الأول والأخير للهوية الشخصية مادامت هي وحدها القادرة على الصمود أمام التغيرات التي تطرأ للشخص.

ملخص موقف شوبنهاور: إن الخاصية الأساسية المحددة لهوية الشخص هي الإرادة كخاصية أساسية تبقى عندما يتغير فيها كل شيء، إنها المعبر عن الذات الحقيقية، بل إنها نواة وجودنا.

إستنتاج:
إن الأساس المحدد لهوية الشخص يختلف من فيلسوف إلى آخر فإذا كان جون لوك أكد على الشعور المرتبط بالفكر كمحدد للهوية الشخصية فإن شوبنهور فند هذا التصور وإعتبر أن أساس تحديد الهوية هو إرادة الحياة، إلا أنهما وإن إختلفا حول طبيعة هذا المحدد فإنهما بتفقان على أن هذا الأساس قائم على الثبات والمطابقة لكن ألا يمكن إعتبار التعدد والإختلاف أساس لهوية الشخص.

موقف باسكال: لاندرك الشخص عبر جوهره، لأن هذا الأخير غير قابل للإدراك وإنما ندركه من خلال صفات متغيرة لا تشكل هوية للشخص مادام حضور هذه الهوية يشترط وجود خاصية أساسية ثابتة.

موقف سيكموند فرويد:
يرى فرويد أن هوية الشخص لا تقوم على مبدأ الوحدة والثبات والمطابقة كما يعتقد فلاسفة الوعي، وإنما على مبدأ التعدد والدينامية والصراع، ذلك أن الشخص هو مسرح مفتوح لصراع رغبات وإرادات واعية ولاواعية تجعل من هويته هوية مركبة ومعقدة متوترة وقلقة ومتأزمة، فالأنا مضطر إلى خدمة الهو والأنا الأعلى، وهو مطالب بالتوفيق بينهما، ومهمة التوفيق هاته مهمة صعبة للغاية، وهذا مايجعل هوية الشخص هوية ممزقة ومنشطرة بين هذا الثالوت المتصارع، فكلما هيمن طرف على الاطراف الأخرى كلما تطبعت الهوية بطابعه، بالإضافة إلى ذلك، (ولما كان الطفل أب الرجل) فإن الماضي الطفولي بأزماته وخبراته وعقده يلعب دورا حاسما في تشكيل هوية الشخص.

تركيب:
يصعب إذا تحديد هوية الشخص وإختزالها في معطى أو عنصر بعينه لأن هذا الشخض كيان مركب ومتداخل الأبعاد، لذلك ينبغي النظر إلى هذه الهوية كوحدة متظافرة ومتكاملة الأبعاد، رغم تنوع وإختلاف عناصرها. إلا أن تصفحا متأنيا لتاريخ الفلسفة، ولما يجري من دراسات معاصرة في حقل العلوم الإنسانية يمكننا من القول أن الإختلاف الحاصل في تحديد هوية الشخص كامن في ما إذا كانت هذه الهوية ثابتة أم متغيرة، كأغلب التصورات الفلسفية، وإن إختلفت في تحديد الأساس التي تقوم عليه هوية الشخص إلا أنها تدافع على مقولة الثبات والوحدة والمطابقة، أما الطروحات المنتمية إلى ميدان العلوم الإنسانية (علم النفس - علم الإجتماع – الإنتروبولوجيا بالخصوص) تدافع عن مقولة التغيير والتعدد والصراع الدينامي.

ملاحظة : إن موقف العلوم الإنسانية يتحدث أكثر عن الشخصية وليس عن الشخص، ولكن رغم ذلك فأغلب التصورات المنتمية للعلوم الإنسانية لا تقوم هذا التمييز بين المفهومين كما تفعل الأطروحات الفلسفية.


إشترك ليصلك جديد الدروس والمواضيع!

0 comments:

إرسال تعليق

الأكثر تصفحا هذا الأسبوع

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة