تأطير النص: يتأطر النص ضمن مجزوءة الوضع البشري وينفتح مضمونه على مفهوم الغير بإعتباره الشبيه لي والمختلف عني في نفس الوقت وبالضبط فهو يعالج قضية العلاقة مع الغير بإعتبارها تقوم على الصداقة التي تنبني على الجانب الأخلاقي

إشكال النص: إذا كان وجود الغير ضروري لوجود الذات ومعرفته ممكنة فما طبيعة العلاقة التي أقيمت معه ؟ هل هي علاقة حب وإحترام ؟ أم علاقة نبذ وإقصاء وتهميش؟ 
هل تقوم على نموذج الصداقة أم الغرابة؟

الأطروحة: يرى أريسطو أن العلاقة مع الغير تقوم على الصداقة لأنها الماهية الحقيقية التي تربط الأنسان بالأخرين إذا قامت على الفضيلة كأساس وهذا يمكن لهذه العلاقة أن تكون جميلة وشريفة قائمة على حب فطري تجعلنا نستغني عن العدالة والقونين.

شرح المفاهيم:
الصداقة: هي رابط عاطفي يوجد بين شخصين أو أكثر ويقسمهما أرسط إلى ثلاثة أنواع:
المنفعة: هي صداقة يمكن أن تزول بتحقيقها ولايمكن الإعتماد عليها إلا أنها تقوم على البركماتية.
المتعة : هي صداقة ترمي إلى تحقيق اللذة وتنتهي، وهي صداقة سلبية.
الفضيلة: هي صداقة أخلاقية يمكن أن تستمر وتضم المنفعة والمتعة وتضفي عليها طابع الإستمرارية.

البنية الحجاجية البرهانية:
إن الصداقة كأساس للعلاقة مع الغير حسب أرسطو لأنها تعتبر ضرورية للحياة المشتركة، كما أن الغنى والمال لايمكن أن يشكل للأنا بديلا عن العيش بدون أصدقاء، وهنا يرفع أرسطو من قيمة الصداقة ويعتبرها أساس كل تواصل حقيقي مع الغير لاأنها تقوم على مفهوم الفضيلة كقيمة أخلاقية قائمة على حب الخير لذاته أولا ولأصدقائه ثانيا لذلك فهي تدوم وتبقى عكس صداقة المنفعة أو المتعة التي تزول بتحقيقها ولو أمكن تأسيس علاقة صداقة الغير لما كنا في حاجة إلى العدالة والقوانين فلا أحد يريد العيش بدون أصدقاء فالشباب تعصمهم من الوقوع في اللذات والأخطاء والشيوخ ليحققوا المساعدة والقوة ليتم بها العمل. كما إعتمد على مجموعة من الأساليب من بينها:
أسلوب التأكيد: هنا يؤكد أرسطو على علاقة الفضيلة كأساس للعلاقة مع الغير.
أسلوب المثال: وهنا تحدث عن الإنسان والطيور كمثال لصداقة الفضيلة القائمة على حب فطري.
أسلوب الإستدراك: يتجلى هذا الأسلوب في المؤشر اللغوي "لكن"

إستنتاج:
إن ما يقوله أريسطو بخصوص العلاقة مع الغير يرتبط بالجانب الأخلاقي المتجسد في صداقة الفضيلة، وهنا يمكن للصداقة أن تدوم وتستمر ويمكن للإنسان أن يحقق السعادة المنشودة. إذن هل يمكن الإكتفاء بهذا النموذج كأساس للعلاقة مع الغير؟

المناقشة:
إذا كان الفيلسوف أرسطو يدعو إلى تأسيس الصداقة كعلاقة أساسية بين شخصين وتقوم على جانب أخلاقي يتجسد في مفهوم الفضيلة كشرط أساسي لتحقيق السعادة المبتغاة بين الأنا والغير فإن هذا الموقف القديم قد إمتد إلى التفكير الفلسفي المعاصر ومثلته الباحثة البلغارية جوليا كريستيفا التي قامت بنقل العلاقة مع الغير من نموذج الغرابة إلى نموذج الصداقة أي من النبذ والإقصاء إلى الحب والإحترام وهذا يتجسد في ما تقوله "ليس الغريب هو الإسم المستعار للحقد وللأخر (التشيئ) ولا ذلك الدخيل الذي يجلب الشر إلى الجماعة ولا ذلك العدو الذي يتعين القضاء لإعادة السلم إلى الجماعة بل أن الغريب يسكننا على نحو غريب" ومادام التناقض يحكم الذات الإنسانية ويتم قبوله، وكذلك يحكم الجماعة ويتم قبوله فلماذا لانقبل الغير؟ وأن نؤسس معه علاقة حب وإحترام خصوصا إذا كانت قائمة على أساس أخلاقي خالص بإعتبارها واجب أخلاقي كما يقول كانط الذي إعتبر الصداقة هي إتحاد بين شخصين لهما نفس مشاعر الحب والإحترام، أي أنها عبارة عن ميزان يوازن بين كفتي الحب والإحترام معتبرا أن الحب قوة إنجذاب وإنصهار بين الصديقين والإحترام قوة دفع وتباعد بينهما، فإذا قام صديقي بإرتكاب الأخطاء في صداقتنا فمن الواجب عليه تنبيهه لذلك وإذا إستمر فإنه يخل بمبدأ الإحترام ولكي تكون الصداقة لابد لكل واحد منا أن يعامل الآخر كغاية لا كمجرد وسيلة، أما العلاقة السلبية مع الغير فقد دعا إليها كل من هيجل وسارتل مؤكدا الأول أن العلاقة بين الأنا والغير علاقة جدلية تقوم على الصراع من أجل الإعتراف بالسيادة والعبودية، أما الثاني فيرى أن العلاقة بينهما قائمة على الموضعة والتشيئ ذلك فلا أكون ذاتا إلا إذا حولت الأخر إلى موضوع.

التركيب:
إذن وجود الغير ضروري لوجود الأنا ومعرفته ممكنة لأنه يتمم وجهة إدراكي فلا بد من إقامة علاقة تواصل معه قائمة على مبدأ الإعتراف كأساس للتخلي عن الأنانية بإعتبارها مصدر العنف والإقصاء والإتجاه نحو الغيرية، فما دامت وجدت مع الغير وأعيش بواسطة الغير فلابد أن أحي من أجل الغير.

يمكنك تحميل الدرس بصيغة PDF عبر الضغط على الزر أسفله.